تفاصيل ليلة مرعبة عاشها تسعة بحارة من اسفي اثر غرق مركبهم الشركي II بعد صدمه من طرف باخرة اجنبية .
بعد حوالي اسبوع من تعرض مركب الصيد الساحلي بالجر المسمى “الشركي II” لحادث في عرض البحر، تتواصل التداعيات الاجتماعية و القانونية للحادث وسط جدل مهني بشأن المتعين اتخاذه من إجراءات في مثل هذه الحالة.
في هذا التقرير الخاص نحاول على لسان ربان المركب الغارق بسواحل الجديدة، إعادة تركيب سيناريو ليلة مرعبة، و نقتنص تصريحا من الممثل القانوني للمركب، و نواصل تتبع المستجدات التي ترشح من داخل دهاليز الإدارات المعنية كما نرصد السبل المتبعة لترتيب الجزاءات على السفينة، التي عجلت بالهروب بعد إغراقها للمركب المغربي الذي كان على متنه تسعة بحارة مازال 2 منهم في عداد المفقودين
تفيد كل المعلومات السابقة على الحادث المؤلم، الذي تعرض له المركب المسمى الشركي II على بعد مسافة تبلغ 9 أميال شمال ميناء الجرف الاصفر، و 6 أميال عن اليابسة، أن طاقم المركب الذي كان قد غادر الميناء منذ يوم الأحد 20 غشت الجاري، كان بصدد ممارسة نشاطه في الصيد لليوم الثالث على التوالي، في ظروف وصفها طاقمه بالعادية، خصوصا و أن الحالة الجوية كانت تسعف في القيام برحلة صيد آمنة.
و هكذا ظل المركب يمارس عمله الى حدود الساعة الثالثة صباحا من يوم الثلاثاء 22 من نفس الشهر، دون أن تخطر على بال أي واحد من افراد طاقمه التسعة فكرة تعرضه لحادث، مادام المركب مجهزا تجهيزا عصريا، و مزودا بما يكفي من أجهزة الكترونية لتلافي أية صعوبات في البحر بالإضافة الى اعتدال أحوال الطقس.
سفينة ليو تريو المشتبه في صدمها للمركب
تفاصيل ليلة مرعبة على لسان أحد أبطالها
يروي السيد أقوضاض عبد الحق ربان المركب، أدق تفاصيل اللحظات المأساوية التي عاشها رفقة طاقمه البحري، فيشرح بأنهم كانوا قبيل الحادث بوقت قصير منهمكين في مزاولة مهامهم المهنية حوالي الساعة الثالثة و 22 دقيقة من صبيحة يوم الحادث، قبل أن يفاجؤوا جميعا بصوت قريب من مركبهم، تصاعدت على إثره صيحات التنبيه من طرف أحد بحارة المركب، فطن الى خطورة المسافة الفاصلة بين الشركي II و السفينة المتوجهة نحوه بسرعة 9 أميال في الساعة، و هي سرعة لم تترك للمركب المغربي أية فرصة لتفادي الحادث.
و يوضح أقوضاض عبد الحق أن تلك السرعة جعلت السفينة الأجنبية تصيب المركب من جهة اليمين (TRIBORD) بقوة شديدة، و يضيف الربان المغربي أن قوة الاصطدام أدت على الفور إلى نزوح المياه الى محرك المركب، و هو ما دفع بالربان الى الشروع بشكل عاجل في توزيع صدريات الإنقاذ على أفراد الطاقم المأخوذين حينها بهول الصدمة، و التعجيل في نفس اللحظة بالضغط على زر طلب الانقاذ عبر جهاز الرصد و التتبع، ” قبل ذلك يقول الربان، قمت بمحاولة طلب الاستغاتة بواسطة جهازي راديو يتوفر عليهما المركب. لكن الوقت لم يكن في صالح الطاقم المنكوب ،حيث أن المياه” تبعا لتصريح الربان، غمرت الشركي II في مدة لم تتجازو 5 دقائق.
و هنا بدأت المحنة الحقيقية للطاقم، يقول أقوضاض عبد الحق: “أصبح المركب يختفي بسرعة في المياه، و يؤثر على صمودنا و يجرنا معه الى الأعماق. و في هذا الوقت قفز الجميع إلى البحر، و قفزت بدوري بعد مغادرة الجميع. ما أسفر عن تعرضي لإصابة بليغة في الكتف. و ما هي إلا ثوان قليلة حتى كان المركب قد اختفى بشكل كامل، بحيث لم يعد بيننا كطاقم من يعتقد بإمكانية خروجنا سالمين من محنة مباغثة، بعد أن عجزت محاولاتنا في الاتصال لطلب الانقاذ”.
و بحسرة كبيرة يواصل أقوضاض حديثه فيقول: “حين وجدت نفسي في المياه بدأت بالمناداة على أفراد الطاقم كل واحد باسمه، فأجابني عدد من البحارة و الميكانيكي، لكن اثنين آخرين لم أسمع إجابتهما ، مما جعلني أشك في إمكانية قدرتهما على الصمود. و رجحت احتمال إصابتهما أثناء الإصطدام”. مضيفا بأنه بمعية من استجاب لندائه، واصلوا التشبث بدرع الإنقاذ و تحلقوا حوله في محاولة لتفادي تشتيث تجمعهم، تحت تأثير التيار البحري معتمدين على سواعدهم لمغالبة الأمواج.
كان الخوف و الارتباك و عامل المفاجئة قد زاد من هول الصدمة، و ظل طاقم المركب صامدا ساعات طويلة، قبل أن يفلح عضوان من طاقم الشركي II في إثارة انتباه مركب للصيد الساحلي كان يمر بالقرب من مكان الحادث، و أدى دورا كبيرا في إنقاذهما، ويوضح ربان المركب المنكوب أن كلا من محمد سحيمي و احمد السركالي كانا قد واصلا السباحة الى حين العثور على مركب الصيد الساحلي المسمى” أيت لحسن” الذي عجل بإنقاذهما، حوالي الساعة الحادية عشرة صباحا، و بادر الى إجراء اتصالات مكثفة لإخبار السلطات و الجهات المعنية، بوقوع الحادث.
في بيان الأسباب ..وصولا إلى الإنقاد.. ترقب وفقدان
بالنظر الى كون الشركي II كان أثناء وقوع الحادث بصدد ممارسة الصيد، يوضح ربانه بأن إمكانية تحريكه كانت شبه مستحيلة، و أن ربان السفينة الأجنبية هو من كان عليه أن يحاول تفادي الإصطدام بمركبنا يوضح عبد الحق، مبزرا في ذات السياق أن الشركي IIكانت رؤيته ممكنة على مسافة بعيدة، مادامت جميع أضوائه مشتعلة و تعمل بصورة جيدة. و نفى الربان أن يكون قد سجل ما يفيد أن السفينة الروسية ذات العلم البانامي قد تعمدت صدم مركبه، و رجح أن تكون السفينة المسماة (leo trio) قد كانت تخضع و هي ترتكب الحادث لقيادة أوتوماتيكية، لم تستطع معها الشيء الكثير لتفادي الاصطدام أو تقليل سرعتها اُثناء ارتكابه.
لقد ترتب عن التدخل البطولي لمركب “أيت لحسن”، قدوم الإنقاذ على شاكلة طائرات مروحية تابعة للدرك الملكي البحري، قامت إحداها بإجلاء الناجين و تمشيط المنطقة بحثا عن المفقودين، فيما انهمكت مروحيتان في البحث عن السفينة الأجنبية، التي لاذت بالفرار بعد الحادث، غير مكترثة بمصير البحارة المغاربة الذين نقلوا الى المستشفى الإقليمي، لمدينة الجديدة حيث تلقوا هناك إسعافات أولية، وصفها ربان المركب عبد الحق أقوضاض بغير الكافية. واعتبرها مسير المركب وممثله القانوني السيد جمال أقوضاض إهمالا لناجين قضوا قرابة عشر ساعات في مياه البحر، في ظروف قاسية و تركوا بملابسهم المبللة و لم تقدم لهم سوى وجبة حساء.
طاقم السفينة وصعوبة إستيعاب الحادث
قال جمال أقوضاض ، متحدثا عن الحالة الصحية و النفسية التي وجد عليها طاقم المركب أن بعض البحارة لازمتهم الصدمة، حتى و هم داخل المستشفى. و بلغ الهلع عائلاتهم و ذويهم الذين اعتقدوا أول وهلة انهم باتوا في عداد الغرقى و المفقودين، قبل أن يتبين أن عمليات الإنقاذ أسفرت عن انتشال 7 من الناجين، 2 منهم على متن مركب الصيد الساحلي المسمى “أيت لحسن” و 5 على متن إحدى المروحيات، في حين ظل 2 من أفراد طاقم المركب مفقودين الى حدود الساعة.
و يستعيد مسير المركب تفاصيل ليلة الحادث فيقول إنه تلقى اتصالا حوالي الرابعة صباحا من مركز الرصد والتتبع، تمت خلاله مساءلته عن أوضاع المركب، وحين أجرى المسير اتصالا بالمركب و لم يتوصل بأية إجابة، عاد الى مطالبة مسؤولي المركز باتخاذ الإجراءات اللازمة في مثل هذه الحالات، الى أن تم التأكد بالفعل بأن الشركي II قد تعرض بالفعل لحادث في عرض البحر.
و لدى التحاقه بالناجين من طاقم المركب باشر المسير، وفق تصريحاته المساطر الجاري بها العمل، و قد أدى اصطحابه لربان المركب الى مركز الدرك البحري، في الكشف عن السفينة الهاربة بعد أن تمكن الربان من التعرف عليها، من خلال مجموعة من الصور تم عرضها عليه من طرف عناصر الدرك، ليبدأ شوط جديد تحت مسمى البحث عن السفينة الهاربة.
ليو تريو بين الفرار والتعنث في التعاطي مع أسئلة المحققين
مسار الباخرة البانامية يظهر إنعطافها بشكل لافث قبالة مياه الجديدة قبل مواصلتها المسير
لم تكتف السفينة الروسية ذات العلم البانامي بصدم الشركي II و تغيير مسارها بتسعين درجة من أجل الفرار من مكان الحادث، من غير أن تفكر في مصير الطاقم المغربي، بل واصلت تعنثها في وجه السلطات البحرية المغربية، بحيث رفضت الاستجابة لنداءات المروحيات التي تعقبتها، و لم تتوقف الا بالإكراه. و بعد توقيف ربانها نفى بصورة غريبة علمه بالحادث و رفض السماح بالاطلاع على الصندوق الأسود و باقي تجهيزات السفينة لاستجلاء الحقيقة، لكن تعرف ربان الشركي II على السفينة أنهى الجدل بشأن تورطها في إغراق المركب المغربي.
و فيما تتواصل التحقيقات الى غاية اليوم ماتزال السفينة (leo trio) محتجزة برصيف ميناء أكادير في انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات.
شدد جمال أقوضاض بصفته مسير المركب المنكوب و ممثله القانوني، على أن التحقيقات الجارية مع ربان السفينة التي صدمت مركبه متواصلة و من شأنها أن تفضي الى توضيح أسباب و ملابسات الحادث، و الى تحميل المسؤولية الكاملة للسفينة التي لا مبرر لهروبها بعد أن أدت الى إغراق المركب المغربي دون أن تساهم في أعقاب الحادث في أية عملية للإنقاذ.
و أضاف نفس المتحدث أن الشركي II حريص على نيل حقوقه و حقوق الناجين و المفقودين من أفراد طاقمه على حد سواء، مبرزا في هذا الصدد أن الأمور قد تصل الى حدود إجراء حجز تحفظي على السفينة الروسية ذات العلم البانامي، ضمانا لحقوق المتضررين خوفا من مغبة فرارها بشكل نهائي الى وجهة غير معلومة. خصوصا أن الحادث استنفر ايضا شركات التأمين التي لا تنظر في الوقت الراهن بعين الرضى لما قامت به السفينة الاجنبية من استهتار بأرواح البحارة المغاربة.
محمد عكوري